الحرب بين بوريطة، تبون .. والعروي!
لم يكن مثول وزير خارجيتنا، يوم الجمعة الماضي، أمام البرلمان عادياً، ولا يجب أن يكون كذلك: فقد صرح، بواضح العبارات، أن الجزائر تخطط لمواجهة عسكرية مع المغرب. جملة لا شك أنها ستدخل التاريخ، لا تاريخ البرلمان الذي لا يبدو أنه أمسك بطابعها الانفجاري، ولا تاريخ التصريحات الديبلوماسية فقط بل تاريخ البلاد برمتها.
نفترض بأن وزير الخارجية لم يتقدم إلى البرلمان (ممثلو الأمة الذين يعبرون عن سيادتها حسب الدستور) لكي يدردش عن أدوات الحرب، وألعابها. ولعله كما يفترض أي عاقل أراد أن يكون لما قاله أثر، وتبعات وحديث عقلاني.. وأن يدفعنا دفعا إلى استشعار ما يجول في العقل النظامي للجيران.
ويستفاد من ذلك أن الدولة الجزائرية ما زالت في المرحلة البومدينية في علاقتها مع المغرب، كما أنها في مرحلة ما قبل الأمم المتحدة في تعاملها مع الشؤون الحربية. ولهذا، تعتبر أن سيادتها ستظل منقوصة إذا لم تخض الحرب مع المغرب. هكذا أتصور، ولست خبيرًا جيوسياسيًا ولا داهية في فنون الحرب. ولكن أي مصنف بسيط في فنون الحرب وعلاقتها بالسياسة ينبهنا إلى أن إعلان الحرب كان يعتبر أحد المظاهر الجوهرية لسيادة الدول، قبل أن يتم إخضاعه إلى مشروطية أممية معينة، ليس مجال الحديث فيها.
إشهار قرار الحرب، كما هو جاهز ربما في ذهن العسكر في الجوار، كان خطوة لها مدلولها « السيادي»، في سياق ما بعد اجتماع مجلس الأمن، وكذلك سياق خطاب المسيرة الخضراء وما تأسس من خلاله من سلوك الدولة المغربية في العلاقة مع الجيران، كل ذلك يجعل من «إحاطة البرلمان علما» من طرف الوزير، عنصرا من مقتضيات السياسة أكثر منها مقتضيات الدستور التي تؤطر القرارات الحربية.
وكان لا بد لذلك من امتداد في الساحة العمومية: للأسف لم يكن سوى مضمرا أو قليلا، بل لعل قوة هاته المعلومة، تأثرت بقوة البرلمان وتأثيره في الحياة العامة (حقيقة تأثرت بضعف البرلمان!) ! وهذا مؤسف..
الحرب اليوم، في كل بقاع العالم، نسمع عن أخبارها على لسان الوزراء في الخارجية، ولعل ذلك منذ زمان بعيد، منذ وزير خارجية ونستون تشرشل في الحرب العالمية الثانية..
في الحاضر نتوسم الحرب في تصريحات وزير الخارجية السعودي، وعلى لسان وزير خارجية إسرائيل، على لسان وزير خارجية تركيا أو على لسان وزير خارجية الولايات المتحدة وروسيا. وعليه فإن الحديث الوارد على لسان بوريطة بخصوص نوايا الحرب والتخطيط لها ليس بالأمر الهين، ولا بالذي يمكن أن تشغلنا عنه تأويلاتنا حول المؤسسات أو الأخبار المكرورة التي تخص الطموحات الشخصية في التنصيب وأذرع الحكومة!
«فالحرب تبقى ذات أهمية حيوية بالنسبة للدول» وأي اقتراب من لهيبها، (والحرب أولها الكلام) لا يمكن أن يمر بدون أثر في الحياة العامة..
هل أصيب الرأي العام والنخب بتخمة إعلامية من الجزائر، حتى بدا لهم أن المبالغة تعفيها من أخذ الحرب على محمل الجد؟ وأن أعلى ما يمكن أن يكون لدى الجيران هو مراودة الحلم بالحرب عوض خوضها؟
قد يكون، لكن الرجوع إلى تصريحات سابقة للرئيس الجزائري عبد المجيد تبون تحيلنا على ما هو أبعد .. فقد قال تبون في مقابلة مع صحيفة «لوفيغارو» الفرنسية، نشرتها يوم الجمعة 30 دجنبر 2022 إن، «قطع العلاقات مع المغرب كان بديلا للحرب معه، والوساطة غير ممكنة بيننا». في تبرير بعدي لقرار قطع العلاقات مع المغرب في غشت 2021..
لم يحصل ما كان مطلوبا من خبر مثل هذا ولعل تطورات ما بعد انتخابه لولاية ثانية والعزلة الحالية للبلاد شرقا وغربا غيَّرت من ميزان القوة داخل النظام، بالتالي ضعفت قوة المعارضين للحرب، خوفا لا حكمة أمام أنصار شنقريحة ..
ولكن الذين يتابعون الوضع بمنظور يعطي للزمن (حديثا وقديما) دوره الذي يليق به في صناعة قرارات الحرب، مثل العروي، لهم تقدير آخر للموضوع: لقد كتب الأستاذ المعلم عبد لله العروي في كتابه الأخير «دفاتر كوفيد» أن الحرب بالنسبة للجزائر .. جارية. وسيكون من السخافة الاعتقاد أن سياسة الجزائر الحالية لا عقلانية، أو أنها من فعل سياسيين جهلاء أو عسكريين يخرِّفون، وأن حكاما أقل سنا قد يديرون وجوههم عنها. … هذا وهم خطير..»!
وعلى كل فإن عبارة، من قبيل عبارات بوريطة، وزير الخارجية والحربية في زمن بعيد. لا بد أن يكون لها أثر.
والآن إذا كان وزير الخارجية والمؤرخ الأكثر شهرة في بلادنا يتنبآن ويسجلان، فلماذا لم يكن لكل ذلك من أثر في أوساط النخب السياسية في كل مستوياتها؟
سؤال نتمنى ألا تجيب عنه.. المدافع!
تعليقات
0