نظمت منظمة النساء الاتحاديات يوم الخميس 30 يناير 2025، لقاء نقاش أطره الاستاذ والباحث محمد عبد الوهاب رفيقي حول موضوع “العدالة والانصاف في مقترحات الهيئة المكلفة بمراجعة مدونة الأسرة”، بفندق ايدوانفا ـ بالدار البيضاء.
وفي افتتاح اللقاء، أكدت الاستاذة حنان رحاب رئيسة منظمة النساء الاتحاديات على أهمية اللقاء ومادته التي تناقش (مقترحات الهيئة المكلفة بمراجعة مدونة الأسرة )، موضحة أن هذه المقترحات التي تعنينا جميعا كآباء وأمهات وأبناء هي التي اجتمعنا لمناقشتا والاستفسار بشأن تفاصيلها.
وشددت الاستاذة حنان رحاب، على نجاح هذا اللقاء واستحضار العديد من الأمور المتمثلة في المقصد من هذا اللقاء، هو خلق إطار للنقاش والحوار والتواصل والانصات لبعضنا البعض، في جو تطبعه المسؤولية والتفاؤل والامل.
كما أكدت المحامية والفاعلة الحقوقية وعضو منظمة النساء الاتحاديات، مريم الإدريسي التي أدارت اللقاء، على أهمية مناقشة هذا الموضوع وما يطرحه من تساؤلات يجيب عنها الأستاذ رفيقي بإسهاماته الثقافية التي يطبع جميعها روح الاجتهاد والتجديد ومواكبة قضايا العصر.
وذكرت أن الأستاذ رفيقي في كل اجتهاداته يسير مع روح الشريعة ومقاصدها مزاوجا بين النص الشرعي وإعمال العقل في الإجتهاد المقاصدي الذي يراعي ضرورات الواقع واحتياجات الناس.
وبدوره أكد عبد الوهاب رفيقي، في تأطيره لهذا اللقاء، على أن موضوع مراجعة مدونة الأسرة حضي باهتمام كبير سواء من طرف المتخصصين وكذا من طرف عموم المواطنين، كما تأسف لدخول بعض الأطراف التي لا هم لها إلا تحوير النقاش وإبعاده عن صلب الموضوع، الذي هو البحث عن حلول للمعضلات التي ترزح تحتها كثير من الأسر المغربية، هذه النقاشات التي نظرا لافتقارها لأدوات النقاش العلمي الرصين والهادف فهي إما تهرب إلى أسلوب التكفير بدل التفكير المستنير ومقارعة الحجة بالحجة، أو تتهرب إلى أسلوب آخر تعتمد فيه السخرية والإستهزاء في مواقع التواصل الاجتماعي متوسلة بالإشاعات المغرضة البعيدة عن وقائع الأسرة المغربية وما تعانيه من آلام ومشاكل.
وأجمل الأستاذ رفيقي الحديث عن المحاور التي سيتناولها بالتحليل والبيان مشيرا إلى حرمان كثير من الأطفال من حقهم في النسب ، والذي تترتب عليه مشاكل خطيرة قد تصاحب الطفل في جميع مراحل عمره، وكذا معضلة تزويج الطفلات في سن مبكر مما يتسسب في حرمانهن من حقهن في الدراسة وفي التمتع بطفولتهن والزج بهن في مسؤولية أكبر بكثير من سنهن، مشيرا أنه قد تتطور الأمور في بعض الأحيان لأن تصير هذه الطفلات أمهات مطلقات.
كما أشار إلى وقائع تشريد كثير من المطلقات مع أبناءهن وطردهن من بيت الزوجية…وغيرها من المشاكل التي تستدعي من المشرع المغربي إيجاد حلول عاجلة لهذه الأسر لإخراجها من معاناتها، وكذا لغلق أبواب وطرق (التسيب) التي يسلكها كثير من المستهترين بحقوق الأطفال والزوجات وكذا الأزواج، لنعيش في مجتمع تسوده العدالة والإنصاف والتعاون.
وأثناء حديثه المفصل عن معاناة الأسرة المغربية وعن الاقتراحات المقدمة من طرف الهيئة المكلفة بمراجعة مدونة الأسرة شدد على بعض المسائل منها:
ـ مسألة زواج القاصرات: وذكر أنه بالرغم من تحديد مدونة الأسرة لسنة 2004 للسن القانوني للزواج إلا أن الاستتناء الذي كان متضمنا في هذا الفصل أبقى الأمور على حالها ، و فتح الباب واسعا أمام كل الذين تسول لهم أنفسم العبث بهذه الطفلات، فكانت النتيجة أن جميع المشاكل التي تم التحذير منها بقيت حاضرة وبقوة، مما جعل النقاش هذه المرة يكون بشكل أكثر دقة ، حيث لم يتم السماح بتزويج الصغيرة إلا بعد بلوغ 17 سنة مع ضرورة إحضار شهادة طبية وعدلية وكذا استجوابها وأهلها كل على انفراد لإثبات حالة الضرورة والإستتناء المعترف بهما.
ـ مسألة إثبات النسب للأطفال
أوضح رفيقي، أن شريحة كبيرة من الأطفال تواجه صعوبة في الاندماج في المجتمع بسبب عدم امتلاكها لوثائقها الثبوتية ، مما يجعلها عرضة للسب والتنمر، وكذا فريسة سهلة للتهميش و صنوف الانحراف ، وكل هذا يجعل مقترح إجبارية التحليلات الجينية أمرا يفرضه الواقع وضروراته الملحة.
ـ مسألة تعدد الزوجات
في هذه النقطة أشار الأستاذ رفيقي إلى أن مدونة 2004 جاءت بشرط موافقة الزوجة الأولى لحصول إمكانية التعدد ، إلا أن هذا الشرط لم يكن له أي تأثير في الواقع لأن هواة التعدد سلكوا سبلا أخرى ما زالت مشرعة أمام أصحاب هذه النزوات، فهم يتزوجون بالفاتحة في انتظار حصول ولادة ليضعوا المحكمة أمام الأمر الواقع ( في أحسن الأحوال) وإلا فقد يتبرأون من الزوجة ووليدها، ومثل هذه المعضلات تجعلنا نبحث عن بدائل قانونية لتفادي مثل هذه الآفات.
كما سلط رفيقي الضوء في مداخلته على العديد من الاكراهات المطروحة على الواقع الاسري المغربي، تتجلى في حق الولاية القانونية بالنسبة للمرأة وإخراج بيت الزوجية من التركة والذمة المالية المشتركة أثناء العلاقة الزوجة ومسألة الحضانة. مؤكدا على أن المرأة نصف المجتمع وتساهم بشكل كبير في تنمية الاسرة والحفاظ على مقتوماتها وبالتالي يجب العمل على تمكين المرأة المغربية وتصحيح وضعها الاعتباري والمادي لما قدمته من تضحيات في سبيل الارتقاء بأسرتها وتربية أبنائها ورعاية بيت الزوجية.
وخلص رفيقي إلى أن ما تقدم حول مدونة الاسرة هي مجرد مقترحات لسلسة من اللقاءات والمشاورات التي عقدتها الهيئة المكلفة بمراجعة المدونة بين مختلف الفاعلين، وبالتالي تشكل ركائز أساسية ومنطلقات نحو الاصلاح المنشود في انتظار عرض المشروع بتفاصيله ومناقشته أمام البرلمان والمصادقة عليه ودخوله حيز التنفيذ.
كما عرف اللقاء تفاعل الحضور مع ما قدمه رفيقي من مستجدات وطرحه من مسائل، حيث أكدوا على حاجة الاسرة المغربية للتضامن والتعاون والمودة والرحمة، بعيدا عن المزايدات وذلك حفاظا على الاستقرار الاسري والمجتمعي. كما شددوا على ضرورة تمتيع المرأة بكافة حقوقها واستقلاليتها بما يضمن التوازن والتكافل الاسري.
تعليقات
0