ملتقى مكناس للكتابة المسرحية السابع …تطلع دولي ودعوة للاهتمام بالمسرح الموجه للطفل

283٬953

مكناس يوسف بلحوجي
عرفت الدورة السابعة من ملتقى مكناس للكتابة المسرحية المنظم يومي فاتح وثاني دجنبر الجاري بالمركز الثقافي المنوني من طرف فرقة “مسرح الشامات” بدعم من وزارة الشباب والثقافة والاتصال، قطاع الثقافة، حضورا وازنا لمجموعة من الكتاب المسرحيين والمخرجين والفاعلين في الحقل المسرحي، ونقاشات مهمة حول الكتابة المسرحية بالمغرب ومميزاتها ونواقصها، كما انصب النقاش حول مسرح الطفل، وتحديدا الكتابة الدرامية المخصصة لتلك الفئات العمرية الحساسة من الأطفال، والتي تحتاج منتوجا مسرحيا يحترم ذكاءها ويتماشى مع العصر والتطور التكنولوجي الذي يغري الأطفال، لا ذلك المسرح الذي يستبلدهم ويعطيهم أعمالا محشوة بالوعظ والإرشاد.

وجاءت الدورة السابعة من هذا الملتقى، الذي توقف بسبب وباء كورونا، لتعلن في شخص مديرها والمسؤول عن فرقة “مسرح الشامات” ومدير المركز الثقافي محمد المنوني المخرج والكاتب المسرحي بوسلهام الضعيف، أن هذه التظاهرة التي تدخل في إطار توطين “مسرح الشامات” بالمركز الثقافي محمد المنوني، ستصبح ذات طابع دولي في الدورة المقبلة، وذلك من أجل الانفتاح والاستفادة من التجارب الغربية من أوروبا وأمريكا وإفريقيا، خاصة في مجال الكتابة المسرحية، التي قلما نجد تظاهرات أو ملتقيات تخصص لها في العالم العربي وربما حتى في العالم.
وأضاف بوسلهام في حفل افتتاح هذا الملتقى أن الهدف منه هو إعادة الاعتبار للمؤلف المسرحي وللكتابة المسرحية، وترسيخ تقليد الاحتفاء بالكاتب المسرحي وبالنص المسرحي، معترفا بفضل الفنانة الراحلة ثريا جبران، أيقونة المسرح المغربي، ودعمها ومساندتها لهذه التظاهرة، والتي شاركت في دورته الأولى وقرأت نصا مسرحيا للكاتب محمد بهجاجي.

وبعد كلمة ترحيبية من الأستاذ محمد الخراز المدير الإقليمي للثقافة بمكناس، الذي يتطلع إلى أن تستعيد مدينة مكناس إشعاعها الثقافي، وخاصة مع أبي الفنون المسرح، افتتح الملتقى بتقديم قراءة ممتعة لمشاهد من مسرحية “رجل الخبز الحافي” للكاتب والمخرج المسرحي الزبير بن بوشتى بالعربية والإسبانية من طرف الكاتب وصديقه على التجيتي، وهي مشاهد يسترجع فيها الزبير بن بوشتى الكاتب محمد شكري وصدمة شهرة كتابه السير ذاتي “الخبز الحافي” التي جعلت منه ظاهرة، حيث حاول شكري التخلص منها، وهو ما عبرت عنه المسرحية في حوارات مشحونة بين الكاتب محمد شكري وشكري في سيرة “الخبز الحافي”.
وللإشارة فهذه المسرحية سبق وعرضت في العديد من المسارح منذ عام 2014، كتب نصها الزبير بن بوشتى، وأخرجها عبد المجيد الهواس، وقام بالتشخيص فيها كل من: فريدة البوعزاوي، ومحسن المالزي، ومنصف القبري.

ومن جهته خص الكاتب المسرحي والروائي يوسف فاضل ملتقى مكناس للكتابة المسرحية بمشاهد من مسرحيته الجديدة “الحفرة”، التي لم تكتمل بعد، والتي استلهم موضوعها من قصة الطفل ريان الذي سقط في البئر، حيث سلط الضوء من خلال السقوط الوهمي لأحد عمال شركة البناء في الحفرة، على واقع العمال المهمشين وأوضاعهم الاجتماعية وحالاتهم النفسية وتناقضاتهم وآلامهم وأوجاعهم وآمالهم. وقد قدم مشاهد من هذه المسرحية أو القراءة البيضاء أربعة من طلبة المسرح الشباب: حفصة الخمالي، محمد العلمي، أمين المرابطي، وجمال فاكر.
وبعد هذه المشاهد انخرط المسرحي الحسين الشعبي في حوار تلقائي مفتوح مع الكاتب يوسف فاضل حول تجربته كع للكتابة المسرحية، والدواعي التي تدفعه إلى اختيار الجنس الرواية الذي أبدع فيه في السنوات الأخيرة وخلق مشروعا روائيا متميزا ما زال ممتدا لأن يوسف فاضل يعشق العزلة ولا يحب الجوقة، وهو الشيء الذي يمنحه له العالم الروائي، على عكس المسرح الذي يخلق بالناس ويحيى بهم، فحتى لو كتب الكاتب نصا مسرحيا بمفرده، كما قال، فهذا النص يظل غير مكتمل، ويحتاج إلى كتابة ثانية فوق الركح، ليظهر بالشكل الفني الفرجوي المطلوب.

وتخللت هذا اللقاء المفتوح مع يوسف فاضل شهادات لكاتبين مسرحيين متميزين، الأول الكاتب محمد بهجاجي الذي أخلص للكتابة المسرحية والنقد المسرحي ولم يتجاوزهما إلى التمثيل أو الإخراج، على الرغم من مرافقته الفنية ومعايشته لولادة الكثير من الأعمال إخراجيا مع المسرحي عبد الواحد عوزري، والممثلة المبدعة الراحلة ثريا جبران، والثاني رجل مسرح بامتياز تمثيلا وكتابة وإخراجا هو الفنان عبد الحق الزروالي، أخلص للمونودراما أو المسرح الفردي منذ ستينيات القرن الماضي، ومازال يكتب ويبدع أعمالا شكلت وما تزال ظاهرة فنية في العالم العربي وليس في المغرب فحسب.
واختتم اليوم الأول من الملتقى بتقديم العرض المسرحي الجديد “كلام” لفرقة “مسرح الشامات”، من تأليف الكاتب والأديب محمد برادة، وهو أول عمل مسرحي يكتبه بعد مجموعة من أعماله الروائية ودراساته الأدبية والنقدية والترجمية، وقد صدر هذا العام بعنوان “كلام يمحوه النهار”. المسرحية من إخراج بوسلهام الضعيف وتشخيص كل من: سناء عاصف، وسفيان نعيم، وأمين بلمعزة.
وفي اليوم الثاني من هذا الملتقى، وعلى عكس ما كان مبرمجا، وبسبب غياب المؤطرين التربويين، تحولت الورشة حول الكتابة المسرحية للطفل التي كان سيؤطرها الكاتب والمسرحي محمد لعزيز وسيستفيد منها مجموعة من أطر التربية، إلى مداخلة حول “الكتابة الدرامية للطفل” قدم فيها الباحث مجموعة من الإضاءات المهمة، ودعا إلى التمييز بين المسرح المدرسي ومسرح الطفل، الذي فيه التباس كبير بالمغرب.
وأضاف الأستاذ لعزيز أنه ليس من السهل كتابة مسرحية للطفل، فهو مسؤولية كبيرة فإما أن تحبب الطفل في المسرح أو تنفره منه منذ البداية، ولهذا نجد القليل من المسرحيين، بل وحتى من خريجي المعهد العالي للمسرح والتنشيط الثقافي من يهتمون بمسرح الطفل، ليترك المجال مفتوحا للمسترزقين بهذا النوع المسرحي، الذي لا توليه الجهات المسؤولة أي أهمية ولا ترصد له حتى الإمكانيات اللازمة والكفيلة بتقديم فرجة مسرحية للطفل تحترم ذكاءه وذوقه وخياله، ولا تحترم حتى خصوصيات الفئات العمرية للأطفال.
لا تقتصر قلة الاهتمام بمسرح الطفل على الجهات المسؤولة فحسب، فحتى الباحثين الأكاديميين لا يهتمون به، والقليل من الجامعيين هم من خصصوا له بعض الدراسات، وعلى رأسهم المحاضر محمد لعزيز الذي صدر له كتاب بعنوان “دينامية التواصل في مسرح الطفل والمسرح المدرسي”، ومع ذلك، ما زال لم يوفيه حقه من الدراسة والبحث، كما أشار إلى ذلك في محاضرته.
وأكد الباحث محمد لعزيز إلى أن الطاغي على الكتابات المسرحية الموجهة للطفل بالمغرب هو “الإطلاقية وعدم وضوح معالم تلك الكتابة، التي هي في الغالب نصوص راشدين في جلابيب أطفال، كتابات بعيدة عن واقع الطفل، تراثية في أغلبها، تختار ما هو منفر للطفل ولا تحترم ذكاءه ولا تقدم له ما يغريه بالمتابعة، لأن عوالم السحر والخرافة والدين وحتى أنسنة الطبيعة من شجر وحيوانات، تحتاج إلى تعامل دقيق من أجل أن تسهم في زرع قيم أصيلة وحقيقية”.
وخلص لعزيز إلى أنه بعد متابعته لما يقدم في المغرب تحت مسمى مسرح الطفل، وعلى مدى أربعين سنة، تبين له أن ما يقدم من وعظ وإرشاد وتوجيه ما هو إلا قتل للمسرح، معتبرا أن أكثر النصوص قتلا للمسرح هي تلك التي تقدم الطرح المباشر، ومنوها في الوقت نفسه ببعض التجارب المضيئة التي تتجاوز هذا النمط، وهم ليسوا كلهم من الجيل الجديد، بل هناك ممارسون قدماء تمكنوا من تطوير أنفسهم عبر دراسة علم النفس وعلم النمو، والفئات العمرية المختلفة والمتفاوتة في المستويات المعرفية، والذين أدركوا الحدود والخصوصيات اللغوية لمسرح الطفل، وانتبهوا إلى التقنيات المتطورة دورها في تقديم فرجة ممتعة للطفل.
وفي الجلسة الختامية لهذا الملتقى، قدمت الكاتبة المسرحية رفقة أمزدي قراءة ممسرحة لبعض مشاهد من مسرحيتها “مينو Pause”، التي تتناول التغيرات الهرمونية التي تتعرض لها المرأة في سن اليأس، بل الهبات اليأس والحرمان بسبب تدهر الأوضاع المجتمعية. كما قدمت الممثلة سناء عاصف قراءة ممسرحة باللغة الفرنسية لمشاهد من مسرحية “أمهاتنا” للكاتبة فدوى مسك، كما قدم الثنائي سفيان نعيم وأمين بلمعزة قراءة ممسرحة لرسائل محمد شكري ومحمد برادة المعنونة بـ “ورد ورماد”.

ومن جهته قدم الدكتور فهد الكغاط، نجل المسرحي المغربي الراحل محمد الكغاط، شهادة عن الكتابة المسرحية، الوسيط الذي اختاره للتعبير إبداعيا رغم تكوينه العلمي في الفيزياء، والذي جاء بشكل طبيعي وبسبب الوسط الفني الذي نشأ فيه، حيث أنه ورث من والده، رحمة الله عليه، بعض جينات الكتابة، كما قال متسائلا: هل يرث الابن الاهتمام بالإبداع المسرحي من الأب؟
في حالته، ورغم عدم تخصصه في علم الوراثة، قال إنه فعلا ورث عن والده تلك الجينات، وكان الإبداع المسرحي هو ما جبل عليه منذ الصغر، كما أنه لبس لباس الناقد التكويني الذي يحيى صيروة تكون العمل المسرحي، وهو ما يتجلى في كتاباته النقدية والتنظيرية، وأعماله المسرحية التي تدخل في إطار “المسرح الكوانتي” الذي يشتغل عليه. ليختم شهادته بقراءة ممسرحة لمشهد من مسرحيته “المُشابكة أو هيكابي العامرية”، التي ينهل فيها من الواقع من قصف ملجأ العامرية بالعراق، وأسطورة هيكابي أو هيكوبا ملكة طروادة.
ومسك ختام الملتقى السابع للكتابة المسرحية بمكناس، كان هو القراءة الممسرحة الجميلة للمسرحية الشهيرة “زهرة بنت البرنوصي” للمسرحي المغربي سعد الله عبد المجيد بمشاركة الفنانة جميلة مصلوح، التي تفاعل معها بشكل كبير الجمهور الحاضر، وهي المسرحية التي قدمها سعد الله عبد المجيد منذ ثمانينيات القرن الماضي، وحقق من خلالها رقما قياسيا في عدد العروض التي بلغت 410 عرضا مسرحيا، لا أظن أن مسرحية مغربية أو عربية قد عرفت هذا الرقم، ولكنها تسببت له في الاعتقال خمس مرات، وفي المنع من العرض لعشرين مرة أو أكثر، لأنها مسرحية قوية تتناول طابوهات: الدين والجنس والسلطة.

error: